د. محمد العريفي
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
ما أجمل هذه العبارة و أنت تسمعها من الفم الزكي الطاهر. فم رسول الله صلى الله عليه و سلم .
صحيح، كم هم ثقلاء أولائك الذين يزعجونك بالتدخل فيما لا يعنيهم. يشغلك إذا رأى ساعتك. بكم اشتريتها؟ !! فتقول: جاءتني هدية، فيقول: هدية !! ممن؟ فتجيب: من أحد الأصدقاء. صديقك في الجامعة، أم في الحارة، أم أين؟ فتقول: و الله، آآآ. صديقي في الجامعة فيقول: طيب. ما المناسبة؟ !! فتقول: يعني مناسبة أيام الجامعة فيقول: مناسبة إيش؟!! نجاح، أم كنتم في رحلة، أو يمكن، أأ،
و يستمر في استجوابه لك على قضية تافهة!! بالله عليك، ألا تحدثك نفسك أن تصرخ به:
لااااا تتدخل فيما لا يعنيك!!
وقد يزداد الآمر سوءاًلو أحرجك بالسؤال في مجلس عام فسبب لك إحراجاً .
أذكر أنني كنت في مجلس مع عدد من الزملاء بعد المغرب، رنّ هاتف احدهم كان جالساً بجانبي. أجاب: نعم؟ زوجته: ألو وينك يا حمار؟! كان صوتها عالياً لدرجة أني سمعت حوارهما. قال: بخير، الله يسلمك!! يبدو أنه قد وعدها أن يذهب بها بعد المغرب لبيت أهلها و انشغل بنا.
غضبت الزوجة: الله لا يسلمك. أنت مبسوط أنك مع أصحابك و أنا أنتظر. و الله انك ثور!
قال: الله يرضى عليك. أمرُّك بعد العشاء.
لاحظت أن كلامه لا يتوافق مع كلامها، فأدركت انه يفعل ذلك لكيلا يحرج نفسه انتهت مكالمته.
جعلت أنظر إلى الحاضرين و أتخيل أن واحداً منهم سأله:
من كلمك؟ و ماذا يريد منك؟ و لماذا تغير وجهك بعد المكالمة؟!!
لكن الله رحِمَه لأن أحدا لم يتدخل فيما لا يعنيه.
و مثله لو زرت مريضاً فسألته عن مرضه فأجابك بكلمات عامة: الحمد لله. شيء بسيط. مرض صغير و انتهى، أو نحوها من العبارات التي لا تحمل جواباً صريحاً.
فلا تحرجه بالتدقيق عليه:
عفواً ما هو المرض بالضبط؟ وضِّح أكثر!! ماذا تعني!! و نحو ذلك.
عجباً!!
ما الداعي لإحراجه؟
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
يعني. تنتظر أن يقول لك: أنا مريض بالبواسير، أو مصاب بجرح في، أو،. مادام أنه أجاب إجابة عامة فلا داعي للتطويل معه. و لا أعني بهذا عدم سؤال المريض عن مرضه إنما اعني عدم التدقيق في الأسئلة.
و مثله، الذي ينادي طالباً أمام الناس في مجلس عام، و يسأله بصوت عالٍ: هاه يا أحمد. نجحت؟ فيقول: نعم، فيسأله: كم نسبتك؟ كم ترتيبك في الفصل؟
إن كنت صادقاً في اهتمامك به فاسأله على انفراد بينك و بينه.
ثم لا داعي للتدقيق كم نسبتك؟ لماذا لم تذاكر؟ لماذا لم تقبل في الجامعة؟ إن كنت مستعداً لإعانته فقف معه جانباً و حدثه بما تريد،
أما نشر غسيله أمام الناس فلا.
قال صلى الله عليه و سلم:
"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"
لكن انتبه!! لا تعط الموضوع أكبر من حجمه.
سافرت إلى المدينة النبوية قبل مدة كنت مشغولاً بعدد من المحاضرات، فاتفقت مع شاب فاضل أن يأخذ ولديّ عبد الرحمن و أخاه بعد العصر إلى حلقة تحفيظ أو مركز صيفي ترفيهي و يعيدهم بعد العشاء. كان عبد الرحمن في العاشرة من عمره. خشيت أن يسأله ذلك الأخ من باب الفضول أسئلة لا داعي لها. ما اسم أمك أين بيتكم كم عدد إخوانك كم يعطيك أبوك من المال
فنبهت عبد الرحمن قائلاً: إذا سألك سؤالاً غير مناسب فقل له: قال صلى الله عليه و سلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، و كررت عليه الحديث حتى حفظه،
ركب عبد الرحمن و أخوه مع الشاب كان عبد الرحمن مشدوداً متهيباً. قال الشاب متلطفاً:
حياك الله يا عبد الرحمن.
فأجابه بحزم:
الله يحييك
أراد الشاب المسكين أن يلطف الجو. فقال:
الشيخ عنده محاضرة اليوم!
حاول الولد أن يتذكر الحديث فلم تسعفه ذاكرته، فصرخ قائلاً:
لا تتدخل فيما لا يعنيك!!
قال الشاب:
لا أقصد، بل حتى أحضر و أستفيد.
فظن عبد الرحمن أنه يتذاكى عليه: فأعاد الجواب:
لا تتدخل فيما لا يعنيك،
قال الشاب:
عفواً عبد الرحمن، أعني.
فصرخ عبد الرحمن:
لاااا تتدخل فيما لا يعنيك!!
و لم يزل هذا حالهما حتى رجعا!! أخبرني عبد الرحمن بالقصة مفتخراً فضحكت و فهّمته الأمر مرة أخرى.
ورشة عمل..
مجاهدة النفس على التحرر من التدخل في شؤون
الآخرين، متعبة في البداية، لكنها مريحة في النهاية
الروابط المفضلة