بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

أعرض لكم هذه القصة الخيالية
في يوم من الأيام مشى أمير في الغابة و لاحظ أن هناك رجلا فقيرا جدا يجلس جوار شجرة يستند عليها و يعبث بعصاه في التراب
و لاحظ الأمير أن هذا الرجل صامت و هاديء و تبدو عليه علامات الرضى و جواره بقايا طعام بسيط
ظن الأمير في الرجل الفقير خيرا و أراد أن يدخل إليه السعادة
فما كان منه إلا أن أخرج من جعبته أروع جوهرة يمتلكها و أعطاها للرجل..

الرجل ظل صامتا و لم يعلق و ظل ينظر للجوهرة بدون تعبير على وجهه كأنه يرى شيئا غريبا
تركه الأمير و قرر زيارته في اليوم التالي و فعل لكنه صدم بشده

الرجل لازال يجلس في نفس المكان بنفس الهيئة و أين الجوهرة؟

الجوهرة ملقاة في التراب و بقايا الطعام كأنها حجر أو قطعة زجاج ليس له قيمة

نعم فالرجل لم يعرف قيمة الجوهرة أو فائدتها بل وجدها أقل شأنا من امتلاكها فألقاها بإهمال و لامبالاة

و عندما فكر الأمير بترو لم يجد سببا منطقيا يدفع الرجل الفقير للحفاظ على شيء لا يقدره أو يعرف قيمته و لام نفسه لأنه لم يتأكد من تقدير هذا الرجل لما سيمنحه له

هكذا الأمر مع الأب يزوج ابنته -أغلى ما يملك- لمن لا يستحق لمجرد أنه أحسن الظن به و بدون أي شواهد قوية تدل على استحقاقه لها
عندما يستخف الأهل بأمر الزواج أو يفتقدون للخبرة الكافية فيظنون في من يتقدم الخير رغم أن كل المؤشرات تقول العكس

و حتى عندما يكون غير كفء أو لا يمتلك امكانات كافية فيقومون متطوعين بمساعدته على أمل أن يرتد هذا على معاملته لابنتهم
أو عندما تتزوج فتاة ممن هو غير كفء في الشخصية و التعليم أو الظروف و لا تسمع لتحذيرات الأهل و تظن أنها -لسبب ما- قادرة على صنع المعجزات و تغييره جذريا
و لا أعرف لماذا تظن أي واحدة أنها قادرة على ذلك رغم أن كل القصص الواقعية من حولها تقول العكس و غالبا ما تتغير الزوجة تبعا لزوجها و يظل هو بنفس عيوبه "إن لم تزداد" فالزوج يظل سيء الطباع و مدخنا و عصبيا و مقصرا في الصلاة و الزواج لا يجعل الرجل ملاكا

بل إن هناك عيوبا تكون واضحة حتى للعميان و تقنع الفتاة نفسها بأن كل هذا سيتغير بعد الزواج لماذا؟ لا يوجد سبب منطقي

و أحيانا تقبل الفتاة و أهلها بظروف يعلمون جيدا أنها غير محتملة لكنهم يتوقعون "أن تتغير الظروف" فيما بعد بدون أي ضمانات لهذا أو ربما يتوقعون قدرة ابنتهم على تحملها رغم أن النتيجة معروفة


و تدرك الفتاة و يدرك أهلها-متأخرا- القاعدة البسيطة و هي: "أن المقدمات تؤدي للنتائج" و أننا نصر على لي عنق الحقيقة و إغفالها

و ليس كل فقير أو ظروفه متعسرة يستحق المساعدة و القبول فهناك عديم الطموح و هناك الكسول و الحاقد و هناك من لا يحب الاستمرار في أي عمل ثابت و يعيش يوما بيوم حتى بعد الزواج ومع وجود الأطفال
و هناك من يعطي كل دخله لأهله و يحرم زوجته و هناك من يجبرها على المشاركة براتبها
فهل الفقر في حد ذاته مزية و صفة حميدة تستدعي القبول؟


كذلك الأم التي تبحث عن عروس لابنها -أفضل عروس- دون أن تسأل نفسها إن كان هو أفضل خاطب و تقنع نفسها أيضا أن كل عيوبه ستتغير بعد الزواج و الإنجاب!
بل إنها تصر على أن زوجته مسئولة عن تغيير ما لم تفلح فيه الأم نفسها! هكذا ببساطة تضع القوانين و تطبقها

و الواقع أن لا شيء يحدث غير حياة زوجية تعيسة.. فالزوجة تريد رجلا و ليس طفلا كبيرا تربيه من جديد
و لو فلحت الأم لنجحت الزوجة
فلماذا نغالط أنفسنا و لماذا نتوقع من الحياة معجزات تحدث لنا وحدنا بينما الحياة تخطيط و كفاح ثم انتظار للنتائج
نعم أحيانا يحدث تغيير بعد الزواج لكنه يكون نادرا و طفيفا أو بعد مرور سنوات طويلة و مريرة تتحمل فيه الزوجة ما لا يطاق

و حتى لو كان الزواج قسمة و نصيب ألا يستدعي مستقبلنا أن نخطط له و نكون حذرين فنحن نخطط لما هو أقل شأنا كل يوم؟ لكننا بالعكس نتصرف و نفكر "بالبركة" و نتوقع أضعاف ما يمكن للواقع أن يحدثه و نحزن بعدها لأن شيئا من التوقعات لم يتحقق بينما الخطأ من البداية فينا عندما أسرفنا في حسن الظن و ألغينا العقل
و هكذا نلقي بجوهرة غالية لمن لا يقدرها فيرميها ببساطة في التراب و نجتر الندم

تحياتي لكم