ومضاتُ نورٍ في ظلامٍ حالك





لا يختلف إثنان على أن الحرب إذا شُنَّت في بقعة ما على هذه الأرض

تحول كل شيءٍ فيها إلى خراب ودمار ....

فتغيب كل الألوان البراقة ويسود لونٌ واحد فقط.......هو

اللون الأسود....!!!





يطغى على جميع أشكال الحياة ..فلا نرى غيره ...

فالسماء سوداء والأرض سوداء .... ربما يتغلغل داخل نفوسنا

لتصبح بدورها سوداء وكأننا نعيش في ظلام ليلٍ طويل لا ينتهي


هذه هي الحرب وهذا بالفعل ما يهدف إليه الأشرار من وراء شن الحروب

قتل وتدمير كل ما تطاله قذائفهم وصواريخهم ....من بشرٍ، وشجرٍ ، وحجر.

حتى من ينجو بجسده تُقْتَل روحُه.ولكن الأمر قد اختلف كثيراً

في الحرب التي شنَّها الصهاينة مؤخّّراً على غزة


ربما قتل الكثيرين فعلاً – ونسأل الله أن يحتسبهم شهداء عنده في الجنة-


فقد دمّر هذا العدو الجبان مناطقَ واسعةً ، بل غيّر معالمها ، وسوّاها بالأرض

اقتلع أشجارً بعمر المئات من السنين من جذورها ، حرق البيوت ، والمزارع

دمّر المصانع والطرقات ، هدم بيوت الله والمستشفيات

قام بهذا التدمير ووظّف له مُختلف أنواع الأسلحة الفتّاكة

من طائراتٍ بأنواعها ودبابات ومدافعَ وزوارقَ حربية

حتى الأسلحة المحرمة ....استخدمها ضد الأطفال والنساء والشيوخ

كان هدفُه التدمير والقتل ..فقط ، حتى تحولت الحياة في غزة إلى ألمٍ ودموعٍ

وجراحٍ وآهات ...اللون الأسود أحاط بكل شيء وغطى كل الزوايا والأركان






: :

ولكن

: :



من بين كل هذا الألم ، من بين هذه الجراح من من وسط شلال الدم المتدفق

من بين القلوب اليائسة ، من تحت الخراب والدمار


من ظُلمة اللون الأسود

انبثق نورٌ قويٌ أضاء الأرجاء

أشعل جذوة الأمل في النفوس ، بعد أن ظنّ الجميع أنها ماتت....

انبثق النور ....لينيرَ سماء غزة...لينيرَ أرض العزة

الشوارع ....الطرقات....

ليعلنها للعالم أجمع.....أن هنا – في أرض غزة- إرادةٌ صلبةٌ..

إرادةٌ وعزيمةٌ لم تنل منهما آلة الحرب المجرمة...

لمعت ومضات هذا النور ، وسلّطت الأضواء ، على مشاهدَ رائعةٍ

واضحةً جلِيّةً للعيان ، باتت آثارها على تعاون الناس وتكاتفهم

ومساندتهم لبعضهم البعض ، للجيران ، والأقارب والأهل

لأصدقائهم ، حتى للعابرين الذين تقطعت بهم السبل.






فما إن يُدمّرُ بيتٌ ، إلا وهبّ جيرانهم باستضافة أهله بعد أن يهبوا لنجدتهم

فترتسم معاني الشهامة والنخوة بأروع صورة.

يقسمون رغيف الخبز بينهم ، وقت أن شحّ الخبز وتعطلت الأفران...

لا يبخلون بقطرة الماء ، بعد أن دمر العدو شبكات المياه.

يواسون من فقد فرداً من عائلته ويحيطونه بشبكةٍ من الأمان .

فنجده بكل ثباتٍ يحمد الله على مُصابه الجَلَلْ







كان أسطع ما يكون الضوء

هي تلك الومضة القوية المُبهرة ..

أبهرت الجميع بقوتها وشدتها...

أفقدت العدو الصهيوني بصره بل وبصيرته

فراح يتخبّط على إثرها ...هذا النور القويّ تجلى في احتضان الشعب

للمقاومة وللمجاهدين ، فالسواد الأعظم من أهل غزة

مدّ يد العون للمقاومة الباسلة الشريفة التي دافعت عن شرف هذه الأمة

ورفعت رؤوسنا عالياً في سماء العزة والإباء

احتضنهم الناس ...فكان أسمى أنواع التضحية ، وبذل الغالي والنفيس

من أجل هؤلاء الرجال الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الله

وفي سبيل العيش الكريم بكرامةٍ وشموخ







إن اختلفت مظاهر وأشكال هذه القبسات والومضات..

فإن مصدرها واحدٌ ...

مصدرها نابعُ من قوة العقيدة والإيمان

انبثق هذا النور من التوكل على الله الواحد الأحد ، الذي يقدِّر المقادير

فقدر لنا أن نكون من المرابطين على هذه الأرض المباركة

انبثق هذا النور من المساجد التى –وإن استُهْدِفَت- فلم تخلو يوماً من مصلّيها

لا تجد إلا تكبيراً ودعاءً يخرجُ من مآذنها ليلَ نهار.

دعاء واحد من قلوب متعددة جميعها تتجه الى الله ، مؤمنةً ، صابرةً ، محتسبة.

يا لها من ومضات ، من قبسات نورٍ أضاءت حياتنا وأرواحنا ، أنارت عقولنا وقلوبنا

وجَّهَتْنا إلى طريق الأمل ...بعد أن أراد لنا العدوُّ طريق اليأس والقنوط.

أسأل الله أن يستمر هذا النور، يضيء دروب المسلمين

لتحقيق وعد الله لهم بالنصر ....حتى وإن طالت هذه الدروب








محبتكم في الله

ام محمد