بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

- ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافي التقوى – وإن قل - إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجلة. ومن الاغترار أن تسيء فترى إحسانًا، فتظن أنك قد سُومحت، وتنسى ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: 123].
* * *
322- على مستوى الأفراد وفي خارج أسرنا نحتاج في إنكار المنكر إلى التلطف مع إخواننا المسلمين، فليس الهدف الوحيد براءة الذمة بإنكار المُنكر، بل الهدف الأسمى إزالة المُنكر وانتهائه، وحلول الخير مكانه، وحتى نكون كذلك، نحتاج إلى قراءة آخر آية في سورة العصر.
* * *
323- التجارب العملية في الدعوة أو التربية وغيرها، هي ثروات مُهدرة إذا لم تُكتب وتُوثق وتكون فائدتها أعمَّ وأشمل, ومع الأسف فكل من لديه مشروع يبدأ به من نقطة الصفر، وكان حقيقًا أن يبدأ من حيث انتهت تجارب الآخرين المكتوبة، واليوم الجميع لا يتجاوز مرحلة الصفر.
* * *
324- قال الإمام الشافعي: "سياسة الناس أشد من سياسة الدواب" [السِّيَر: 10/98].
أخي المسلم! كل يوم تقابل وتحادث أُناسًا بهم طبائع مختلفة وأخلاق مُتباينة .. فهذا به من الحُمق الشيء الكثير، وذاك به من السفه نصيب .. وآخر استهواه الشيطان فهو يهوى الجدال والخصام .. وهل – أخي – في الدواب مثل ذلك؟!!
والإمام الشافعي رحمه الله أتمَّ علاجه وأشفى ببيانه فقال: "الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المُنقبض والمنبسط".
* * *
325- قال ابن القيم: لم يأتِ (الحزن) في القرآن إلا منهيًا عنه ومنفيًا، فالنهي كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ والنفي: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وسِرُّ ذلك أن "الحزن" موقف غير مُسيِّر ولا مصلحة فيه للقلب، وأحبُّ شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ويوقفه عن سلوكه, فالحزن ليس بمطلوب ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي r: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن».
* * *
326- ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ صورة وضيئة راضية مُطَمِئنة، ربهم راضٍ عنهم، وهم راضون عن ربهم، آية من آيات الولاء والبراء!
قال ابن كثير: "وفي الآية سِرٌّ بديع وهو أنههم لمَّا سخطوا على الأقارب والعشائر في الله تعالى، عوضهم اللهم بالرضا عنهم، وأرضاهم بما أعطاهم من النعيم المُقيم، والفوز العظيم".
* * *
327- قال ابن القيم: "على المسلم أن يحذر من كثرة استعمال (أنا) و(لي) و(عندي)؛ فقد ابْتُلِيَ بها إبليس، وفرعون، وقارون فقال إبليس: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ وقال فرعون: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ وقال قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾".
* * *
328- تغفل كثير من الزوجات عن الدعاء والالتجاء إلى الله عزَّ وجلَّ والانطراح بين يديه وذلك لتسخير زوجها لها وإصلاح فساد قلبه، ورده إليها ردًّا جميلاً؛ وحتى نعرف تقصيرنا في هذا الجانب مَن مِنَّا في سنوات مضت دعا لزوجته، أو زوجته دعت له؟!! أغاب عنَّا: ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾؟!
* * *
329- قال r: «اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم» [رواه أحمد].
والعدل ليس في المال فحسب، بل في كل شيء: البسمة والهمسة والكلمة والاستقبال وغير ذلك.
والسلف كانوا يُساوون بين أولادهم حتى في القُبْلة؛ والحيف والظلم يزرع الحسد والحقد في قلوبهم.
330- ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: 29] أي: فلطمت وجهها على عادة النساء عند التعجب، وقالت لهم: أنا عجوز عقيم، فثَمَّ مانعان؛ وفي الآية حسن أدب المرأة عند خطاب الرجال، واقتصارها من الكلام ما يتأدى به الحاجة فإنها قالت: ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ واقتصرت على ذكر السبب الدال على عدم الولادة ولم تذكر غيره.
* * *
331- التمسك بالسُّنَّة أمره عظيم، اقتداءً، وهدى، قال أبو بكر رضي الله عنه: «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله r يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ» [رواه مسلم (7020)].
* * *
332- كيف أُرَبِّي أولادي؟ سؤال طالما أرَّق وأشجى الآباء والأمهات؟
غرس طاعة الله واجب، وبيان أن العقوق حرام هدف، إشباعهم عاطفيًا سبب، كثرة الدعاء لهم ودلالتهم على الخير مطلب، وإذا ما كبروا فإن اختيار الزوجة الصالحة خير معين، والرفق بالأبناء أثر حتى لا ننحدر بهم إلى جادة العقوق.
* * *
334- قال جابر رضي الله عنه: «فما أعلم أحدًا كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مُؤَبَّدة لا تُشترى أبدًا، ولا تُوهب، ولا تُورث» وهذا الوقف ليس حصرًا على الأغنياء فحسب، تستطيع أن تشتري مُصحفًا أو كتابًا ثمنه ريَّالات وتوقفه, وبهذا تدخل مع الأخيار في هذا العمل الصالح.
* * *
335- امرأة مسلمة تفرح بالحياة وتُسَرُّ بها، أشرقت الدنيا في عينها ثم أظلمت، فقدت الزوج والصاحب في بحر مُتَلاطم من الفتن .. لمن تركها! ولمن ندعها، أين الرَّحمة في القلوب وابتغاء الأجور! أتُترك لوحشة الطريق أم للزمن المُهلك، أم للهموم والغموم؟! هي مُسلمة مُطلَّقة أو أرملة.
* * *
336- ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: 49-50] قيل: هذا في الأنبياء عليهم السلام فلوط لم يُولد له ولد وله ابنتان، وإبراهيم لم يولد له أنثى ورزق الذكور، ومحمد له بنون وبنات، ويحيى وعيسى لم يولد لهما.
* * *
337- قال: نحن قوم في طبعنا جفاء وفي تعاملنا غِلْظة، لا نعرف الكلمة الجميلة ولا العبارة اللطيفة! نحن أبناء صحراء قاحلة وشمس مُحرقة انعكست على طباعنا وأخلاقنا!! قيل له بهدوء: أين عاش محمدr ؟! أليس في أرضك وتحت شمسك؟! ارتقِ بأخلاقك وارتفع بحسن حديثك .. اقتداءً واقتفاءً؛ فقد وعدت بالأجر.
338- يا بُني: أنصِفْ وأجِبْ، وأسمِع نفسك .. إنسان له عشرون عامًا أو تزيد، يتابعك بالنظر، يجوع لتشبع ويعرى لتلبس، ويشقى لتسعد، ويعمل لترتاح .. إن عطشت أسقاك، وإن مرِضت داواك، وإن بكيت أرضاك .. وإن ضحكت فرح وإن نهضت أولاك النظر .. وإن وليت أتبعك الدعاء .. ما ظنك بهذا الرجل وما جزاؤه؟ (والدك).
* * *
339- ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ الكلمة الطيبة الرفيقة اللينة مأمور بها شرعًا وتُؤجر عليها إذا أخلصت، تزيل الحواجز وتقرب البعيد وتحبب النفوس.. لن يندم المسلم أبدًا على كلمة طيبة قالها .. وسوف يندم ألف مرَّة على كلمة نابية أو شاذة! فالميزان واضح. جعلنا الله ممن من قال فيهم: (وهدوا إلى الطيب من القول).
* * *
340- قال بعض الشيوخ: "آفات النفوس مثل الحيَّات والعقارب التي في طريق المُسافر، فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها والاشتغال بقتلها انقطع ولم يمكنه السير قط، ولكن لتَكُن همتك المسير والإعراض عنها وعدم الالتفات إليها، فإن عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله، ثم امض على سيرك". [المستدرك على فتاوى ابن تيمية 5/229].
* * *
* * *

كتاب أطايب الجني
د. عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم


* * *