أصبح الأمر مألوفا لدى المارة فى تلك الساعة .. ولم يعد يثير سوى ابتسامة خفيفة على وجوه بعضهم سرعان ما تتلاشى ليمضى كلا منهم فى طريقه .. ولأكمل أنا طريقى ويد أمى تطبق على يدى وتحاول السيطرة على خطواتى التى تقطع الطريق قفزا ويدى الصغيرة ممدودة لأعلى باتجاه الشمس محاولا الإمساك بخصلات شعرها الذهبى الجميل .. كان هذا الأمر يشغلنى كل يوم حتى أصل لذاك المبنى الصغير وتسلمنى أمى – التى أرهقتها كثيرا – إلى المعلمة .. وتُحدد إقامتى فى كرسى صغير بين زملائى .. لكنى لا أفكر سوى بموعد الخروج لأعود لألعب مع الشمس الجميلة ذات الجدائل الذهبية .. تظل ساعات وساعات تنشر شعرها الذهبى فى كل مكان أذهب إليه ثم تتحول جدائلها إلى لون أحمر بعدها تلملم شعرها وترحل .. كل يوم أناديها لتبقى وأعدو خلف جدائلها الحمراء وأمد يدى لأجذبها لتنتظر قليلا .. لكنها ترحل وتغيب .. ويغيب النور عن السماء .. حتى يأتى هو .. وحده من يعيد بعض الضياء على وجه السماء المظلم .. أجلس بشرفتى أتأمله .. القمر ذلك الهادئ الحزين ذو الوجه الأبيض المضىء .. لابد أنه حزين لأنه لا يرى الجميلة شمس .. ويظل ينتظرها طوال الليل وهو يبكى .. أرى دموعه الصغيرة وهى تتلألأ على وجه السماء .. ثم يرحل حزينا كما جاء .. وتعود هى فى الصباح ولا تجده .. حاولت كثيرا أن أخبره بموعدها .. لكنه يتأخر كل يوم ولا يأتى سوى فى الليل بعد رحيلها .. ويجلس حزينا فى السماء .. كتبت له رسائل كثيرة لأخبره بأنها تأتى فى الصباح .. وتظل تدور فى السماء بحثا عنه .. ويجب عليه أن يحضر فى موعدها ليراها .. أنا أعلم كم يحبها .. ويبكى حزنا عليها .. وأحصى دمعاته اللامعة كل ليلة .. مسكين أنت أيها القمر .. لقد حاولت كثيرا صدقنى .. كل يوم قبل رحيلها أحاول جذب جدائلها الحمراء لتبقى وتنتظر حبيبها القمر حتى يأتى ويسعد برؤيتها .. لكنها ترحل ولا تستمع إلىّ .. مسكين أنت أيها القمر .. لقد ملأت دفاترى برسائلى إليك .. ورسمت صور كثيرة لك وللجميلة شمس علقتها بحجرتى .. أعلم أنك ستلقاها يوما ما وستسعد بها وتسعدها أيضا .. سأنتظر هذا اليوم ..


مرت سنوات ..

علمت بعدها أن حبيبتى الشمس ما هى إلا نجم كبير شديد الحرارة ككرة النار .. والقمر كذلك ما هو إلا كوكب مظلم بارد يستمد نوره من الشمس .. كم كانت صدمة كبيرة بالنسبة لى .. حبيبتى الشمس ذات الشعور الذهبية .. والقمر الجميل ذو الوجه المضىء .. أحبتى فى السماء .. وحكايات حبهما الجميلة التى عشتها معهما .. أكانت خدعة كبرى؟.. مستحيل .. بكيت كثيرا يومها .. وكتبت للقمر أشكو له الأكاذيب التى تُروى عنه وعن حبيبته الشمس .. وصرخت به أن يفعل شيئا .. لا يمكن أن يكون هذا صحيحا ..



مرت سنوات أكثر...

والواقع ينتزعنى من أحلامى انتزاعا .. أصررت على دراسة علم الفلك لأكون بجوار أحبتى .. اكتشفت هذا الملكوت المذهل .. وتأملت معجزات الخالق عز وجل .. وعرفت الكثير عن أحبتى فى السماء .. الكثير جدا ..

لكنى ما زلت أكتب الرسائل للقمر .. وأمد يدى لجدائل الشمس فى المغيب .. وما زلت ذلك الطفل الصغير ..