..
في كل صباح ..تستيقظ سلمى عندما تسمع زقزقة العصافير ...وترى الشمس ترسل خيوطها الذهبية عبر نافذتها ..لتنشر النور والدفء في أرجاء الغرفة ...حينها تصعد سلمى سطح المنزل .. تسلَم على الدجاجات وكتاكيتها الصغيرة .. تنثر حبوب القمح تطعمها… وتملأ وعاء الماء تسقيها ..تربت على ريشها الناعم .. تقف ...تحيي العصافير التي ترفرف قربها .. تمد يدها .. تفتح كفها التي تحمل بعض فتات الخبز .. تنقر العصافير كفها فتدغدغها .. تضحك .. ثم تقترب نحو حافة السطح.. تنظر إلى بساط سنابل القمح الأخضر الزاهي ..تلوّح بيدها وتنادي: صباح الخير أيتها السنابل ..
تهب الريح تعانق جدائل السنابل ... تتمايل .. ترد على سلمى التحية ..


..
تنزل سلمى الدرجات بسرعة .. تخطف فطيرة الجبن الشهية التي تحضرها أمها .. تشكرها وتقول: هل أخبرتك بأنك أمهر طاهية في العالم ؟
تضحك والدتها وترد: تقولين هذا كل صباح .
تحمل حقيبتها خلف ظهرها .. تفتح الباب وتخرج ..تمضي بين الحقول .. تمد ذراعها .. تبسط كفها .. تداعب سنابل القمح الطرية.. يقبل الندى أصابعها الصغيرة ... تحيي : كيف حالكم يا أصدقائي؟ أنا ذاهبة إلى المدرسة الآن .. أخبرتني أمينة المكتبة عن مجموعة قصصية جميلة وصلت حديثا في المدرسة .. عندما أستعيرها سأحكيها لكم ..
..


تلاحظ جارهم يمشي وتلحقه أربع بقرات.. يمضغن العشب الذي يلتقطنه من حواشي الأرض..تمسح سلمى على ظهر إحداهن و تقول لجارها العجوز: شكرا يا عم على إبريق الحليب الذي تهديه لنا كل صباح.
أجاب : الشكر موصول لأبيكِ .. الذي يرسل لي الفطائر اللذيذة ..
سألت: هل تعلمني كيف أرعى الحيوانات يا عم ؟
أجاب : بالطبع .. فأنتِ فتاة رقيقة فطينة .. مرّ على انتقالك للريف ستة أشهر فقط .. وقد تعلمتِ الكثير ..
ثم سأل: أخبريني يا سلمى أيهما أجمل .. حياة الريف أم حياة المدينة ؟
أجابت ضاحكة : الريف أجمل بكثير ..
...



عادت من المدرسة .. تناولت غدائها ..عاونت أمها .. صعدت غرفتها تحل واجباتها المدرسية ..وقبل غروب الشمس خرجت سلمى إلى حقول القمح من جديد .. جلست بين السنابل .. أمسكت قصة وقرأتها كما تفعل كل مساء...أخبرت السنابل أحداث يومها المثيرة ..أخبار صديقاتها في المدرسة .. استلقت على الأرض تابعت ألوان الغروب تصبغ أفق السماء ..


..
مرت الأيام وبدأ يتغير لون السنابل باللون الأصفر .. تعانق صفرتها أشعة الشمس ..لكن سلمى لم تغيّر عادتها … تحيي السنابل... تهبّ الريح فتتلألأ أمواجا ذهبية تردّ التحية ..تحكي لهم القصص وأحداث يومها


..
في أحد أيام الصيف الحار .. سمعت صوت الحصَاد الآلي .. يمضي بين حقول القمح يحصد السنابل .. يقطع سيقانها يفصل الحبوب عن سنابلها .. خافت سلمى .. ركضت نحو الحقول..
وبكت لوالدها: أرجوك يا أبي أترك أصدقائي..
والد سلمى : عن من تتحدثين؟


سلمى : سنابل القمح أصحابي يا أبي ..أرجوك لا تؤذيهم..
ابتسم والد سلمى وأجاب : أنا لا أؤذيهم .. إن السنابل تهديكِ حباتها لنصنع منها الطحين .. فتخبز والدتك أشهى الفطائر ..وألذ الحلوى .. نطعم منها الجائع والفقير .. الصغير والكبير ..
لمعت دمعة على أهداب سلمى .. احتضنها والدها .. ثم قال بحماس : هل تعلمين بأن سنابل القمح تعلمنا العطاء ..


هزّت رأسها مستفهمة..
أمسك حفنة من بذور القمح وقال :هذه البذور سنبقيها ..نزرعها ..نسقيها .. فتنمو سنابل القمح من جديد .. خضراء زاهية ..تحييها كل صباح .. تحكي لهم قصصاً أخرى ...
نظرت سلمى .. فكّرت وقالت بلهفة: أنا من سأقوم بزراعتها ورعايتها هل ستسمح لي؟
قبّل والد سلمى جبينها وأجاب : بالطبع يا حبيبتي
..


كبرت سلمى وصارت مهندسة زراعية مشهورة.. تزرع أجود المحاصيل.. تصدّرها إلى جميع البلدان.. تساعد المهندسين الزراعيين الجدد وتعلمهم طرق حديثة.. تزرع أزهى الزهور.. يفخر بلدها بالحدائق التي تنسقها سلمى ويزور حدائقها السياح..

..
سُئلت: من علمك لغة الأرض؟
أجابت: سنابل القمح..


تمت
التوقيع
أم البنين 1977
غادة إبراهيم