أقرانهم من الأطفال يركضون خلف الفراشات الملونة...

يلهون بالألعاب الجميلة....يقلدون العصافير في طيرانها...

ينعمون بأحضان آبائهم وأمهاتهم الدافئة...يتلذذون بأنواع الحلوى المختلفة

يلبسون ثيابا جميلة بألوان الورود الزاهية


ولكنهم ليسوا كالأطفال....فالحرمان والخوف والفقر

هو الغالب على حياة معظم أطفال فلسطين وخاصة في غزة

وبالتحديد في مخيمات اللجوء المتناثرة هنا وهناك في القطاع






فتحوا أعينهم على مشاهد مرعبةٍ على صور قصفٍ وشهداء بل وأشلاء

تنفسوا هواءً معبقاً برائحة البارود والدم

يتحدثون لغةً مختلفةً في مفهومها ومعانيها

فلغتهم اكتسبوها من مشاهد حياتهم القصيرة في غزة

يتحدثون كأنهم خبراء حربً وأسلحة

ربما يقولون لكم ما نوع وحجم الرصاصة التي قتلت أباه..

أو ما نوع الصاروخ الذي دمر منزلهم؟

أو بأي الطائرات قُصِفت مدرستهم !!!!

عندما نسمعهم يتحدثون هذه اللغة سندرك على الفور

أن الطفولة قد وُئِدت فيهم ...وحل مكانها الخوف والرعب

والحزن والتهديد بالموت في كل لحظة !!!

عمد العدو الصهيوني في حربه الأخيرة على غزة إلى تعمّده

استهداف البيوت على من فيها

فكأنه يمحي آخر نقطة للأمان يشعر بها الأطفال

حتى أنهم أصبحوا يخافون من بيوتهم....يرفضون الدخول إليها خوفاً من قصفها

فكم من صديقٍ لهم قد استشهد وهو داخل بيته جرّاء قصفه

أما عن طريقة لعبهم فمشاهد الحرب ومفرداتها دخلت إلى ثقافة اللعب

وانتشرت بين أطفال غزة

فلعبتهم المفضلة هي البندقية والمسدَّس الخاصة بالأطفال



(طبعا القليل منهم من يتحصل عليها ) والأغلب أنها تكون مصنعة بأيديهم من الخشب

يقسمون أنفسهم إلى فريقين....مقاومة واحتلال

وأحياناً كثيرة نجد أن البنات ينضمين إليهم في هذه اللعبة المفضلة لدى الكثيرين


وتفشل جميع محاولات الأهل إلى إعادتهم إلى طبيعتهم

أو تغيير تفكيرهم أو طريقة لعبهم

أعتقد أن الأمر سيحتاج لوقتٍ ليس بالقصير لإعادة هؤلاء الأطفال

حيث الطفولة ومرح الصغار...... ونسيان ما حدث من مجازر وأحداثٍ دامية

جرت أمام أعينهم الصغيرة فخطفت البسمة من على وجوههم

وزرعت الخوف والرعب بين ضلوعهم







من الصعب فصلهم عن ما عايشوه من مشاهدات رأوها بأم أعينهم

ومن المستحيل إقناعهم بتغييرٍ جذريِّ لطريقة لعبهم ، والشهداء كانوا

إما أقاربهم أو جيرانهم أو زملاء مقاعد الدراسة

وجدوا أنفسهم مُجبرين على دخول هذا العالم الفظيع








لا شك أن أحداث غزة قد تركت آثارها واضحة على هؤلاء الأطفال

تأثيرها متفاوت بقدر الألم الذي شعروا به

وكان الأثر عميقاً جداً واضح المعالم على الأطفال الذين فقدوا آباءهم أو أفراداً

من عائلتهم أو دُمِّرَ بيتهم حتى أصبح كابوساً يؤرّق ٌ نومهم







من هذه المعطيات كان أطفال غزة بحاجة إلى دعمً نفسيٍّ

يقوم عليه خبراء من الصحة النفسية والإرشادية والتربوية

وهذا الدعم يكون بمشاركة الجميع ، في البيت والمدرسة والمسجد

وكل من له صلة بطفل

لا بد من احتواء هذا الألم والتخفيف منه بقدر الإمكان



تجربتي مع أحفادي


خلال أيام الحرب كان حفيدي عندي معظم الوقت

طفلٌ لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات ونصف السنة

كان كغيره من الأطفال يلتصق بأهله وقت القصف العنيف

والذي تشتد قوته أثناء الليل

فلم يرض إلا أن ينام بين ذراعي

لم أُضِع الوقت ، كنت أقوم بالتّخفيف من حدَّة الصَّدمة عليه

وأحاول التقليل من شدّتها

وذلك بما يلي


اللجوء إلى الله تعالى





وهو الدعم النفسي الرئيس في مثل هذه الحالات

لما له من أثرٍ نفسيٍّ وروحيٍّ كبير على نفوس الكبار والصغار


وبث اليقين بالله وبعدالته وطمأنته بأن الله هو الرحيم اللطيف


ومحاولة تهوين الأمر عليه بسرد القصص عن المجاهدين


وكيف أن الله ينصرهم على أعدائهم حتى لو كانوا مستضعفين

بث روح التفاؤل والثقة بنصر الله تعالى الذي لا يُعْجزه شيء

وأن الله هو الغالب على أمره

رأيت بهذه الطريقة أن الطمأنينة قد دخلت إلى قلبه الصغير

و الحمد لله تجاوز حالة الرعب الهستيري إلى بعض

الخوف الطبيعي الذي يصاحب مثل هذه المواقف

وأسهمنا جميعاً في استعادة الثقة بنفسه وبمن حوله بفضلٍ من الله ......

الأطفال في هذه المواقف بحاجةٍ ماسةٍ الى إدراكٍ شاملٍ

بمعاناتهم الداخلية ، وإلى صبرنا عليهم ، واحتوائهم بالشكل الصحيح....


يجب أن نزرع فيهم الأمل واليقين


بأن حزن الماضي من الممكن استبداله أمناً وطمأنينةً بعد حين


وأسأل الله أن يكون قريباً


وينعم أطفال غزة بالأمن والأمان والفرح والمرح


ليلحقوا بالفراشات الملونة بين أزهار سنينهم










محبتكم في الله

ام محمد