السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية راح أبدا معكم مقتطفات من حياتي ... أتحدث أولا :

طفولتي مع الفقر
.
حينما كنت طفلة جميلة كنت أرى كل شئ من حولي أبيض اللون ... لا اعرف معنى اللون الاسود في حياتي مطلقا ... الكبار كلهم عندي أخيار ..علمني والدي ان اكون طيبة ...علمتني والدتي أن أكون ايجابية ... كنت متميزة في دراستي .. رغم صعوبة الوضع المادي في بيتنا حيث كان ابي فقيرا وأنا كنت طفلة صغيرة لا افهم معنى الفقر ... لكنها الأيام علمتني معناه وذقت طعمه الحلو ...علكم تستغربون ...لماذا طعم الفقر حلو ؟؟!!!

لأنه دوما يذكرني بالله ... فكلما أحتاج شئ ولا اجده أمامي كنت يا أقول ( يارب ) ..... يارب ارزقني ...يارب وفقني ...يارب .. كانت هذه الكلمة أجمل كلمة تربيت عليها ..

عندما انطلقت من مرحلة رياض الاطفال الى المدرسة كنت اعتقد أن الامر هينا لكنه صعبا علينا أن نقطع مسافة كبيرة جدا للوصول الى المدرسة مشيا على الاقدام انا وأخوتي ..لا يوجد لدينا مال ليوصلنا الى المدرسة باص او سيارة ... وكان الطريق طويييييييل أذكره جيدا .... لكننا كنا نشغل انفسنا بالتسبيح طول الطريق كما علمتنا أمي .... لكن المشكلة كبيرة للغاية هي أن الطريق من بيتنا الى المدرسة كان شارع عام وفي هذا الشارع كل المغريات أقصد ( محلات الحلوى + مطاعم فاخرة +سوبر ماركت +محلات آيس كريم ..الخ ) طبعا احنا ما معنا مصروف .. عندما نصل الى مطعم نمر أمامه ببطء لكي نشتم من رائحته قليلا فكم هي لذيذة رائحة الطعام حيث في بيتنا الخبز والزعتر ...وكنا نقول الحمدلله وكلما نمر عن سوبر ماركت نمثل بين أنفسنا أن أخي البائع وانا المشتري واعطيه مال هواء يعني غير حقيقي وطول الطريق يسألني ماذا تريدين من السوبر ماركت وأعد له أصناف الحلوى والحاجيات التي أتمنى أن تكون معي ( أريد عصير _ أريد بسكويت _ أريد ايس كريم ...الخ ونضحك سويا حتى نصل باب المدرسة .

وصلنا المدرسة ...

تعبنا جدا أقدامنا لا تقوى على الوقوف ...الجو يكون حار والطريق طويل ... نجلس في فناء المدرسة ننتظر قرع الجرس ... نلعب مع الاصحاب ..نجري ..نضحك ...

حينما يدق الجرس ..ندخل غرفة الصف وتبدا الحصة الاولى يتعالى صوت المدرسة (صفقوا لها انها مميزة ) وتعطيني وسام على مريول المدرسة ملون من الورق جميل على شكل نجمة كنت أسعد جدا .. وكأنني بهذه اللحظة تلقيت المصروف من والدي .... فكم هو جميل أن تلقى تعزيز معنوي في حال غياب المعزز المادي ...

لكنني أكون جدا حزينة عندما يقرع جرس الحصة الثالثة ... اتدرون لماذا ؟؟؟ لأنه موعد الفسحة (الاستراحة ) حيث أستمع لكل من حولي من الصديقات بالفصل يهتفون كلمة هييييييي استراحة استراحة .... ويخرجون الى فناء المدرسة سعداء ....

لكن انا وحدي حزينة أجلس بالفصل وأرفض النزول الى ساحة المدرسة أتدرون لماذا ؟؟
كيف اكون وقت الاستراحة بلا مصروف أشاهد جميع الفتيات تاكل وتشرب وهذه تحمل العصير وتلك الساندويتش وتلك الحلوى وهذه الكوكا كولا ...الخ وانا الجوع يقتلني لكن لا أملك مصروف ...

جلست وحدي بالفصل .. لا أحد يعلم سر مكوثي بالفصل وقت الاستراحة ...
قدمت معلمة الى الفصل تقول : لماذا أنتي هنا انزلي الى ساحة المدرسة مثل زميلاتك !!! كنت أردد بداخلي : لا تقولي مثل زميلاتي لأنني أختلف عنهم قليلا ...
نزلت الى فناء المدرسة وبعد نزولي اليه شاهدت مالم اود أن أشاهده ...الكل يحمل مصروف والكل يشرب والكل يأكل .....الخ وقفت بجانب حائط أقرأ بكتابي كنت احب الدراسة جدا ...التفتت اليا زميلة لي واقبلت نحوي قائلة : لماذا تجلسين وحدك ؟؟ قلت لها : اريد ان ادرس .

في اليوم التالي ...تكرر الموقف في وقت الاستراحة رأيت زميلتي مقبلة نحوي وبيدها 2 باكيت شيبس وقدمت لي واحد منهم وهي واحد .. قلت لها : اشكرك لكن لا يمكنني قبول هديتك لأن أبي يحضر لي بالبيت نفس النوع من الشيبس وآكل منه دوما . لا أريد .
أصرار زميلتي أن آخذ كيس الشيبس جعلني اقبل ان آخذه ..وشكرتها ...كنت سعيدة حقا بكيس الشيبسي هذا طعمه لذيذ جدا وجعلني أتذوق كما يتذوقون ... لكن بداخلي مرارة والم شديد لان زميلتي شعرت بفقري وهذا ضايقني حقا ...

فكرت في شئ جميل يمنع اي صديقة من الاشفاق علي أو شراء شئ لي وقت الاستراحة ...
في اليوم التالي كنت قد خبأت في جيبي كيس الشيبس فارغ الذي قدمته لي زميلتي هدية بالامس _ وعند وصولي المنزل قمت بتعبئته خبز من المنزل بقدر معين وأخذته معي للمدرسة .
ووقت الاستراحة كنت أحمل كيس الشيبس الذي هو من ظاهره شيبس وداخله خبز حتى أشعر الأخريات انني مثلكم لا ينقصني شئ نهائيا الحمدلله .
هذا بعد أن قرأت الاية الكريمة التي تقول (وتحسبهم اغنياء من التعفف ) .


حاليا ماذا أفعل مع ابني الصغير _ الحمدلله وضعنا المادي ممتاز جدا _ بعطي طفلي مصروف خاص فيه ومصروف معه أحيانا لأي طفل بيشوفه بفناء المدرسة ما بيحمل ساندويتش أو اي شي لحتى يساعده ويحس بالفقراء ...فكم جميل ان نزرع الخير في أطفالنا وأن نسعد أطفال حرموا من أمور تبدو بسيطة لكنها لديهم عظيمة ..

هذه تجربتي مع الفقر لكن صدقوني رغم مرارتها الا انها جميلة حين يكون قلبك بصدق مع الله
.[/SIZE][/SIZE]