PDA

View Full Version : الْمَكَارِمُ مَنَوطَـةٌ بالْمَكَارِهِ" نسخة "






عبد الرحمن السحيم
06-02-2005, 10:24 PM
.

يظن بعض الناس أن السعادة أن يعيش الإنسان حياة صافية من كلّ كَدَر .

أوْ لا يُصادِفه مُنغِّصَات
أوْ لا تُصيبه مُصيبة
أوْ لا يتعرّض لِفتنَة

وهذه لا بُـدّ منها فهي كالملْح في الطّعام !
ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبِعت على كَدَرٍ

جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها = صفواً من الأقذار والأكدارِ
ومكلِّف الأيام ضِـدّ طِباعِهـا = مَتَطَلِّبٌ في الماء جذوة نـارِ
وإذا رَجَوتَ المستحيل فإنـما = تَبْنِي الـرّجاء على شفيرٍ هارِ

فهي لا تصفو لأحد ، ولا تدوم لِمخلوق .
سمع الْحَسَن البصري رجلاً يقول لآخر : لا أراك الله مكروهاً أبداً . فقال له : دَعَوتَ الله له بالموت ! فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه !

وقد وصف الله حياة ابن آدم فقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) فهو في مَشَقّـةٍ ومُكابَدةٍ في دنياه ، كما قال بعض المفسِّرين .

إذاً .. ما هي الحياة الطيبة ؟
وكيف تُوجد السَّعـادة ؟

اختلفت عبارات السَّلَف حول معنى الحياة الطيبة .
قال ابن عباس : هي الرزق الحلال .
وقال الحسن : هي القناعة .
وقال مُقاتل بن حيان : يعني العيش في الطاعة .
وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة .
وقال القاضي البيضاوي : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) في الدنيا يعيش عيشا طيباً ، فإنه إن كان مُوسِراً فظاهر ، وإن كان مُعْسِراً يَطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الأجر العظيم . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَنِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عَتَبَة العبودية .

وعلى كلٍّ هي :

حياةُ قلبٍ مؤمن بالله ، راضٍ بقضائه ، مُسْتَسْلِم لِحُكْمِه ، واثق بِوَعْدِه .

والحياة الطيبة ربما يعيشها المؤمن وهو لا يشعر بها ، وربما لا يَجِد لذّتها .
كيف ؟

ربما عاش المؤمن راحة البال ، ووجَد الأمن النّفسي ، لا يُزعجه المستقبل ، ولا يُقلقه ما في غـدٍ .
الأمن النفسي من أعظم ما يَمنّ الله به على عبده المؤمن .
ولذا قال سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
ليس فقط الأمن الاجتماعي في الأوطان ، بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين .
وهذا يُفسِّر لنا سِـرّ سعادة الكافر إذا أسلم ، إذ وَجَـد ما كان يفتقده ، وعاش لـذّة الطاعة ، وخالطت قلبه بشاشة الإيمان .

ويُظهر لنا بِجلاء كيف عاش بعض السّلف هذه السعادة في لحظة مقْتلِه !
قال حرام بن مِلحان رضي الله عنه لما طَعَنَه الكافر الغادر : فُـزْتُ وربِّ الكعبة فكان الكافر الغادر يتساءل : أي فوز فازه وأنا قتلته ؟!

فالسعادة ليست في كأس وغانية !
وليست في مالٍ وجارية !
ولا في المراكب الفارِهة !
ولا في القصور العامِرة !

وإنما هي بطاعة الله جل جلاله .

ويُبين لنا هذا أن من العلماء من وُضِع في السّجن والقيد ، فما يزيد على أن يبتسم !
لقد كان يتذوّق طعم السعادة !
ويعتبر السجن خلوة !
والقيد وسام فخـر !

يَرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله
يجِد حلاوة الإيمان في قلبه .. ولا سبيل للوصل إلى قلبه !

يُدفع بإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل إلى السّجن ، فما يَردّه ذلك عن مبادئه
ولا يُزحزحه عن مواقفـه
يُضرب بالسِّياط فما يشكو ولا يئِنّ
يَغتسل السّوط في جُرحه فيصدع بما يَكرهون .
لقد مَزَج مرارة الألم بحلاوة الإيمان فطَغَتْ حلاوة الإيمان ..

إن بعض الناس يشكو أنه لا يعيش الحياة الطيبة في حين أنه يعمل الأعمال الصالحة ، وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحّة ، وأمن ورخاء .
وهذا ربما تُوجَد عنده صُورة العَمَل ، ولا تُوجد حقيقة العمل .

والفَرْق بينهما كما بين الثرى والثريّا

إن الرجلين ربما صَلَّيَا إلى جوار بعض ، وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب !
فَرَجُل قلبه يحوم حول العَرش يُسبِّح بِحَمْدِ ربِّـه
وآخر يحوم حول القاذورات !

قال بعض السلف : إن هذه القلوب جَوّالة ؛ فمنها ما يَجُول حول العَرْش ، ومنها ما يَجُول حَول الْحُشّ " بيت الخلاء " .

فيا بُعد ما بينهما !

والله لا يستويان لا في الصلاة والأجر ، ولا في أثَرِهَا .

فَمَن صلّى بقلبه نَهَتْه صلاته ، ورَفَعتْ درجاته ، وكفّرت سيئاته .
ومن صلّى بِبَدَنِه أجزأته !

فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة .
ومن تعلّق بغيره وُكِل إليه " تَعِسَ عَبْدُ الدينار و عَبْدُ الدرهم و عَبْدُ الخميصة " .

قال ابن القيم رحمه الله :

نَزِّه سماعك إن أردت سماع ذيّـ = ـاك الغنا عن هذه الألحانِ
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ = ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمان
إن اختيارك للسماع النازل الـ = أدنى على الأعلى من النقصان
والله إن سماعهم في القلب والـ = إيمان مثل السمّ في الأبدان
والله ما انفكّ الذي هو دأبه = أبداً من الإشـراك بالرحمن
فالقلب بيت الرب جل جلاله = حُبا وإخلاصا مع الإحسان
فإذا تعلّق بالسَّماع أصاره = عبداً لكل فُـلانة وفـلان
حُبّ الكتاب وحب ألحان الغنا = في قلب عبد ليس يجتمعان
ثَقُل الكتاب عليهم لما رأوا = تقييده بشرائع الايمان
واللهو خفّ عليهم لما رأوا = ما فيه من طرب ومن ألحان
قوت النفوس وإنما القرآن قو = ت القلب أنى يستوي القوتان ؟
وألَذّهُم فيه أقلّهم من الـ = ـعقل الصحيح فَسَلْ أخَا العرفان
يا لذّة الفساق لستِ كَلَذَّةِ الـ = أبرار في عَقْلٍ ولا قرآنِ

فإن أردت المكارم فتحمّل المكارِه .
وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية .


والله يتولاك .

الغزيل
06-02-2005, 11:25 PM
وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية

نسأل الله سعادة الدارين ,,,

جزاك الله جنة الفردوس بغير حساب شيخي الفاضل

حمامة الجنة
07-02-2005, 09:19 PM
فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة .

بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ..

الجمان
07-02-2005, 11:10 PM
جزاكم الله خير الجزاء..

مسرّة
13-02-2005, 02:17 PM
جزاكم الله خيرا ... السعادة في دار القرار ... جعلنا الله من أهل الجنة