بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى أله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بأحسان إلى يوم الدين :-
اما بعد:-
إن تفسير أية من آيات القران الكريم والتآمل فيها ، نعمة أحمد الله عليها ، فقد تجولت فى هذه الايام القليله فى عالم التفسير وعشت لحظات جميله .. تترواح بين الدهشه والرهبة والسعاده وان شاء الله زيادة فى الايمان..وكل ذلك كان فى آيه!!فكيف لو المصحف كاملاً!!
ولا اخفــى عليكم أصعب ماوجهته هو إختيار الاية..لما تحمل الآيات من معجرات عقليه وعلميه وشرعيه وغيبيه وبلاغيه..لذلك حسمت امرى بالوقوف على اخر آية تلوتها .فكانت سورة الانعام آية (165).
أعوذ بالله منا لشيطان الرجيم
((وَهُوَ اُلُذِي جَعَلَكُمَ خَلئَفَ الأرضِ وَرَفَع بَعضَكْمَ فَوَقَ بَعضٍ دَرَجَتٍ ليّبَلُوكُم فى مَآء اتَـَــكُم إِنَّ رَّبَكَ سََرِيع العِقابِ وإِنَّهُ لَغَفُوُرُ رَّحيم ))-165-
والان الى أول محطة سنمر عليها وهى أقوال العلماء بارك الله فيهم وجزاهم فسيح جناته بجور المصطفى( صلى الله عليه وسلم ) وجمعنا معهم إن شاء الله :-
((معانى الكلمات)):-
خَلائَفَ الأرضِ :-خلف بعضكم بعضا فيها.
ليّبَلُوكُم :-ليختبركم وهو بكم عليم .
((الاعراب)):-
قوله تعالى(( دَرَجَتٍ)) منصوبه، وقيل واقعه موقع المصدر وكأنه قيل رفعة بعد رفعه.
((المعنى الاجمالى)) :-
يبين لنا الله عزوجل أن الجزاء عنده على الاعمال وأن المرجع إليه تعالى وحده ،وأن له سننا فى اختلاف الأمم واختبارهم بالنعم والنقم، وأن الله وحده هو الذي يتولى عقاب المسيئين ورحمة المحسنين، فلا ينبغى الاتكال على الوسطاء ولا الشفعاء بين الله والناس فى غفران الذنوب وقضاء الحاجات كما هى عقيدة أهل الشرك.
((سبب النزول)):-
-لايوجد-
-------------------------------
((المعنى التفصيلي)) :-
((وَهُوَ اُلُذِي جَعَلَكُمَ خَلئَفَ الأرضِ))
ذكر تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم ) وأمتة فى الآيه ..والله (الذى جعلكم) أيها الناس (خلائف الارض) بأن أهلك من كان قبلكم من القرون والأمم الخاليه، واستخلفكم فجعلكم خلائف منهم فى الأرض، تخلفونهم فيها، وتعمرونها بعدهم والخلائف: مثل خلف فلان فلاناً فى داره يخلفه خلافة فهو خليفة فيها، وأمة محمد (صلى الله عليه وسلم ) خلقت سائر الامم وهم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها،ويعتبر كل من جاء بعد من مضي فهو خليفه.
وكمــــــــا قال الســـــماخ:-
تصيبهم وتخطئني المنايا*********** وأخلف في ربوع عن ربـوع.
والله سبحانه استخلفكم فى الأرض ، وسخرلكم جميع مافيها ، وابتلاكم لينظر كيف تعلمون وجعلكم تعمرون الارض جيلا بعد جيل كما قال تعالى((إنى جاعل فى الارض خليفة)).
((رَفَع بَعضَكْمَ فَوَقَ بَعضٍ دَرَجَتٍ ))
فعز وجل يقول :أنه خالف بين أحوالكم ،فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا بما بسط لهذا من الرزق ففضله بما أعطى من المال للغني على هذا الفقير وفيما خولة من اسباب الدنياء ،فخالف بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا وخفض من درجة هذا على هذا فى الخلق والرزق والقوة والفضل والعلم والبسطة والعافية والخَلق والخُلق،وقيل فى كلمة (درجت) منصوب بنزع الخافض أى الى درجات ،وكانة رفعة بعد رفعة.
((ليّبَلُوكُم فى مَآء اتَـَــكُم))
يعنى ربي فى هذه الايه :- ليختبركم فيما خولكم من فضله ومنحكم من رزقه،فيعلم المطيع له منكم فيما أمره به ونهاه عنه والعاصي ، ومن المؤدى بالحق الذي أمره بأدائه والمفرط فى أدائه كقول تعالى ((وجلعنا بعضكم لبعض فتنه)) وكلمة ((ليبلوكم)) نصب بلام كي والابتلاء الاختبار، اى ليظهر منكم مايكون غايتة الثواب والعقاب ، ولم يزل بعلمه غنيا، فابتلى الموسر بالغنى وطلب منه الشكر وابتلى المعسر بالفقر وطلب منه الصبر (ليبلوكم) بعضكم ببعض..ليبلو الغنى والفقير والشريف والوضيع والحر والعبد.
((إنَ رَّبَكَ سََرِيع العِقابِ))
سريع العقاب لمن كفر به او كفر بنبيه وخالف شرعه وتنكب عن سنته، وهذا العقاب السريع شامل لما يكون فى الدنيا من ضرر فى النفس او العقل أو العرض أو الجمال أو غير ذلك من الشؤن الاجتماعية، وهو سبحانه على سرعة عقابه وشديد عذابه للمشركين ، غفور للتوابين رحيم بالمؤمنين المحسنين ، إذ سبقت رحمته غضبه ووسعت كل شي، ومن ثم جعل جزاء الحسنة عشرة أمثالها، وقد يضاعفها بعد ذلك أضعافا كثيرة لمن يشاء،كما جعل جزاء السيئة بسيئة مثلها ، وقد يغفر لمن تاب منها كما قال تعالى ((وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)).
وهناك تفسير ان عزوجل كأن يقول لنبيه محمد(صلى الله عليه وسلم) إن ربك يامحمد لسريع العقاب لمن أسخطه بارتكاب معاصيه وخلافه أمره فيما أمره به ونهاه، ولمن إبتلى منه فيما منحه من فضله وطوله تولياً وإدباراً عنه ، مع إنعامه عليه وتمكينه إياه فى الارض كما فعل بالقرون السابقه وإن كان فى الاخره فكل آت قريب كما قال تعالى (وماأمر الساعة، إلا كلمح البصر أو هو أقرب)) وقال تعالى ((سريع العقاب)) مع وصفه سبحانه بالإمهال ، ومع أن عقاب النار فى الاخره كما قال تعالة ((يرونه بعيداً ونراه قريباً)) ويكون أيضاً سريع العقاب فى دار الدنياء.
(( وإِنَّهُ لَغَفُوُرُ رَّحيم))
لمن آمن وعمل صالحاً ، وتاب من الموبقات و أطاعه ،وقيل انه لسائر ذنوب من ابتلى منه إقبالا إليه بالطاعة عند ابتلائه إياه بنعمة، واختباره إياه بأمره ونهيه.فمغطِ عليه في الدنياء وتارك فضيحته بها فى موقف الحساب، ((رحيم)) بتركه عقوبته على سالف ذنوبه التى سلفت بينه وبين الله تعالى إذ تاب وأناب إليه قبل لقائه ومصيره إليه.
فالأيتان الاخيرتان إشتملتا على الترغيب والترهيب، فتارة يدعو عباده بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه،وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامه تارة بهذاوبهذا، لينجع فى كل بحسبه..
((استفدت من هذه الآيه)) :-
1-نحن خلفاء الله على الارض،فمادمنا على وجه البسيطه فنحن مكلفين بعبادة الله وحمده على كل نعمة أنعمها علينا ، وهذه الدنياء تعتبر لنا ورشة عمل.
2-ان كل انسان على وجه الارض ،مبتلى اما (بنعمة او بمحنة) فنحن متساوين مثل اسنان المشط فلاداعى للأحسد والبغضاء.
3-ان رحمة ربي اعظم واكبر من سخطه ..والدليل على ذلك حتى فى خطابه لنا فى آياته وترهيبه لنا يرحمنا بالبشرى دئمًا بعدها كما فى نهاية قوله تعالى : إِنَّ رَّبَكَ سََرِيع العِقابِ وإِنَّهُ لَغَفُوُرُ رَّحيم بعد ان إرتعدت مفاصلنا من خشية عذاب الله الذى وصفه بأنهُ سريع ..إطمأنت قلوبنا بأنهُ الغفور الرحيم ..ويسند ذلك لغوياً وجود حرف -الواو- الذي يدل على تساوي سخط الله برحمته..المفجأه من غير التساوي بين الامران ..هناك امر اخر..أتعلمون ماهو !! وجود حرف اللام ..فى كلمة(( لَغَفُوُر)) تدل على التأكيد على مغفرة الله لنا ورحمته أيضا.. فهنياً لى ولكم برب رحيم غفور.
((الخاتمه))
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات...ولايسعنى إلا ان أشكرالاخت الفاضله (زوجة داعية) جزاها الله عنا كل خير و((أهدى))هذا المجهود المتواضع الى اختى لى فى الله لها الفضل فى دخولِ فى هذا المنتدى ، جزاه الله كل الخير ورضاء عنها وجمعنا فى الفردوس الاعلى (اللهم أمين)
.
((المراجع)):-
1- القرآن الكريم
2-كلمات القرأن،تفسير وبيان لفضيلة الاستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف،صـــ78ــــ.
3-تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان، تأليف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
4-التبيان فى إعراب القرأن، تأليف أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري.
5-فتح القديرالجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير، تأليف محمد بن على بن محمد الشوكانى صــــ186.
6-التفسير القيم للأمام إبن القيم ، جمعه محمد إدريس الندوي حقق محمد حامد الفقى.
7-تفسير الجلالين للأمام الجليلين، جلال الدين المحلى، جلال الدين السيوطي صـــ150.
8-صفوة التفاسير، تأليف محمد على الصابونى، المجلد الاول صــــ432.
9-جامع البيان عن تأويلآىالقرآن المعروف تفسير الطبري، تأليف الامام الكبير ابي جعفر محمد بن جرير الطبري، الجزء السابع،صـــ135.136
10-الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن احمد الأنصاري القرطبي صـــ103.
11-تفسير النسفى مدارك التنزيل وحقائق التاويل ، تأليف عبد الله بن احمد النسفى.
12-الدر المنثور فى تفسير المأثور وهو مختصرتفسير الترجمان القرآن للأمام جلال الدين عبد الرحمن صـــ124.
13-تفسير المراغي ، تأليف صاحب الفضيله الاستاذ الدكتور المرحوم أحمد مصطفي المراغى صـــ94.
14-إبن كثير للشيخ الامام الجليل عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقى المتوفي، صــ502.
15-كما إطلعت على تفسير البغوى(معالم التنزيل) للأمام يحي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوى يؤيد التفسير المجلد الثالث صـــ212.
كتبته
أختكم المحبة لله ثم لكم -أمة لله وحده
الروابط المفضلة