الدرس الثالث :
البناء والإعراب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ،،
قبل أن أشرع في الدرس الثالث أود الحديث عن أمور :
أولها - أتوجه بالشكر الجزيل للأخت الفاضلة ( مسلمة ) والتي تفضلت مشكورة بالإجابة على سؤال الدرس الماضي ,
وقد كنت عزمت على أن أجعل هذه الدروس مقصورة على فئة معينة هي التي أرادت المتابعة والتفاعل ، وكتبت رسالة بهذا الشأن لكن أختنا أسيرة الغربة رأت تعميمها للفائدة ، وقد طرحنا درسنا الثاني وهاهو الثالث ولم أجد تجاوباً ، ومع هذا فإني سأستمر بإذن الله تعالى فيها بحسب الوسع والطاقة ، مع ما يكلفني ذلك من الوقت والجهد والذي - يعلم الله تعالى - بأني في أشد الحاجة إليه ، ولكني أحتسب على الله ذلك وأرجو منه القبول وسأحرص بإذن الله تعالى على إتمامها وإن لم يتابع معي إلا ( مسلمة ) . إلا إن رأيتم عدم جدوى طرح مثل هذه الدروس ، فهذا شأن آخر .
ثانيها - علم النحو تتداخل موضوعاته ، وهذا ما يجعلني أقف كثيراً وأنا أرتب المعلومات لكون الأبواب تتداخل وتتعلق بأبواب أخرى ، ولذا لربما استطردت في ذكر بعض ما سيأتي بيانه لاحقاً لكون المقام يحتاج لبيانه .
ثالثها- علم النحو سهل وميسور ، ولربما تلحظون سهولة قواعده ، لكن الإشكال يكمن في التسويف في المراجعة والاستذكار . لأنه كلما تراكمت المعلومات على سهولتها وقلت المراجعة صعب الربط بينها .
رابعها- أريد من الأخت ( مسلمة ) ومن يتابع هذه الدروس معي أن يبين لي مدى جدوى الطريقة المستخدمة في طرح المادة العلمية ، وهل هي مناسبة لمستوى المتلقين أم لا ؟
ونشرع الآن في الدرس الثالث :
الإعراب والبناء .
يقصد بالإعراب : تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً .
بمعنى أن آخر الكلمة تتغير حركتها الإعرابية بالفتحة أو بالضمة أو بالكسرة أو بالسكون أو بالحروف كالواو والألف والياء ، تبعاً لما يدخل عليها من عوامل .
مثاله : ( جاء زيدٌ ) ، ( رأيت زيداً ) ، ( مررت بزيدٍ ) ، فنجد أن كلمة ( زيد ) قد تغيرت حركة آخرها بتغير العامل الداخل عليها ، ففي المثال الأول كانت كلمة ( زيد ) فاعل فرفعت بعلامة الضمة ، وفي الثانية مفعولاً به فنصبت بعلامة الفتحة لوقوع فعل الرؤية عليها ، وفي الثالثة مجرورة بحرف الجر ( الباء ) والعلامة الكسرة .
ومثال الأفعال : ( يشرب ُ زيدٌ الماءَ ) ، ( لمْ يشربْ زيدٌ الماءَ ) ، ( لنْ يشربَ زيدٌ الماءَ ) . فانظر كيف تغيرت حركة آخر الفعل ( يشرب ) بحسب تغير العامل ، ففي الأول سلم من الناصب والجازم فرفع ، وفي الثاني دخل عليه جازم ( لمْ ) فجزم بعلامة السكون ، وفي الثالث دخل عليه الناصب ( لنْ ) فنصب بعلامة الفتحة .
أما البناء : فهو لزوم آخر الكلمة حركة واحدة لغير عامل ولا اعتلال .
بمعنى بأن حركة آخر الكلمة تكون واحدة لا تتغير سواء دخل عليها عامل أولا ، وسواء كانت معتلة الآخر أو سالمة من العلة .
وستأتي الأمثلة بإذن الله تعالى .
وقد قدمنا بأن الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام : اسم ، وفعل ، وحرف .
أما الحروف فكلها مبنية ، بقيت عندنا الأسماء والأفعال ، فمنها معرب ومبني ، ونبدأ أولاً بالأسماء :
فالأسماء تنقسم إلى قسمين : أسماء معربة ، وأسماء مبنية :
فالأسماء المعربة : هي التي سلمت من شبه الحرف ، أي لم تشبه الحروف في وضعها أو معناها أو في افتقارها ، أو لشبهها بالحروف في التأثير وعدم التأثر.
فكل اسم سلم من هذه الصفات التي قدمناها فهو معرب ، بمنى أنه تتغير حركة إعرابه ( آخر الكلمة ) بتغير موضعه في الجملة ، كما قدمنا في المثال السابق ( جاء زيدٌ ... الخ ).
وهذه الأسماء المعربة تنقسم إلى قسمين :
صحيح : وهو ما ليس في آخره حرف من حروف العلة التي هي ( و ، ا ، ي ) .
معتل : وهو ما كان في آخره حرف من حروف العلة .
والأسماء الصحيحة تنقسم إلى قسمين :
متمكن أمكن : وهي الأسماء المنصرفة ، التي تلحقها حركات الإعراب المختلفة بحسب اختلاف موقعها .
متمكن غير أمكن : وهي الأسماء غير المنصرفة لأي علة من علل عدم الصرف ، مثل : ( أحمد ، مصابيح ، فاطمة ) ، فهذه الأسماء تسمى ( غير منصرفة ) بمعنى أنه تلحقها حركتان على اختلاف مواقعها في الجملة ولا يلحقها تنوين ؛ لأن التنوين يلحق الأسماء المتمكنة ، ومثال ذلك : ( جاء أحمدُ ) ، ( رأيت أحمدَ ) ، ( مررت بأحمدَ ) ، فنلحظ هنا بأنه لم تأتِ الكسرة في حالة الجر بل جاءت عوضاً عنها الفتحة ، ثم نلحظ أيضاً أن الاسم لم ينون . والأسماء الممنوعة من الصرف سيأتي بيانها بإذن الله ، وإنما أردت هنا الإشارة ليتضح المراد .
أما الأسماء المعتلة ، وهي ما كان آخرها أحد حروف العلة ( واو قبلها ضمة ، ألف قبلها فتحة ، ياء وقبلها كسرة ) أما الأول ( واو قبلها ضمة فلا يوجد منه شيء في الأسماء المعربة وإنما هو في الأسماء المبنية مثل : ( هو ) وسيأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى .
، وأما الثاني نحو : ( مصطفَى ، مجتبى ) وأما الثالث نحو : ( قاضِي ، راضِي ) .
أما ما كان معتلاً بالألف ، فتقدر كل الحركات الداخلة عليه ( رفعاً ونصباً وجراً ) لأنه منع من ظهورها تعذرُ ظهورها ، مثاله : ( جاء مصطفى ، رأيت مصطفى ، مررت بمصطفى ) ، نجد أن الحركات لم تظهر على الكلمة لتعذرها عن الظهور فنقول في إعراب المثال الأول : مصطفى فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها التعذر ، وفي المثال الثاني : مصطفى مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة منع من ظهورها التعذر ، وفي المثال الثالث : مصطفى اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة منع من ظهورها التعذر .
أما مع الياء فتظهر على الكلمة حركة النصب وتقدر حركة الرفع والجر لثقلهما ، بمعنى أنهما تخرجان لكن على ثقل ، مثال الأول : ( حييتُ القاضيَ ) فالحركة ظهرت سهلة على النطق ، كقوله تعالى : { يا قومنا أجيبوا داعيَ الله } ، مثال الثاني ( جاء القاضيُ ) ، ( مررت بالقاضيِ ) فالحركتان تخرجان لكنهما ثقيلتان في النطق .
القسم الثاني - الأسماء المبنية : وهي تلك التي أشبهت الحرف في وكل أو بعض الصفات الآتي ذكرها ، بحيث تلزم آخرها حركة واحدة لا تغير مهما تغير موضع الكلمة من الجملة .
أما الصفات فهي :
1- الشبه الوضعي : كأن يكون الاسم موضوعاً من حرف واحد كـ ( تاء الفاعل ، ألف الاثنين ، ياء المخاطبة ، واو الجماعة وهي على التوالي : ت ، ي ، و ) ، أو من حرفين كـ ( نا المتكلمين ) .
الأمثلة : ( كتبتُ ، تكتبـان ، تكتبيـن ، تكتبـون ، كتبـنا ) .فهذه الضمائر المتصلة أشبهت الحرف في رسمها ولذا جاءت مبنية غير معربة .
2- الشبه بالحرف في المعنى ، فـ ( متى ) تأتي اسم استفهام مثل : ( متى تقوم ؟ ) وهي بذلك أشبهت حرف الاستفهام ( الهمزة أ ) في قولي : أ تقوم ؟ فهما بمعنى واحد .
كما تأتي أيضاً بمعنى الشرط نحو ( متى تقم أقم ) ، وهي بذلك أشبهت حرف الشرط ( إنْ ) في قولي : إنْ تقم أقم . فهما بمعنى واحد .
وهذا الشبه الذي ذكرناه شبه الأسماء في المعنى بحروف موجودة . وهناك قسم آخر هو شبه الأسماء بحروف غير موجودة ، ويمثلون لذلك بأسماء الإشارة ( هذا ، هنا ) ونحوها قالوا : إن الإشارة معنى من المعاني ، مثل التمني والنهي والنفي ، وهذه الثلاثة قد وضع لها حروف ؛ فالتمني ( ليت ) ، والنهي ( لا ) ، والنفي ( ما ) ، فحق للإشارة أن يكون لها حروف ، ولذا بنيت أسماء الإشارة لشبهها بحرف مقدر .
3- شبه الاسم بالحرف في نيابته عن الفعل وعدم التأثر بالعامل : من المعلوم أن الحروف تعمل في غيرها ولا تتأثر هي بعامل ، بمعنى أن الحرف يدخل على الاسم فيجره ، لكن الحرف لا يمكن أن يكون له محل من الإعراب فلا يأتي فاعلاً أو مفعولاً ونحو ذلك . وهناك من الأسماءِ أسماءٌ أشبهت الحروف في هذه الخاصية ، فهي تعمل في غيرها وتؤثر فيه بينما هي لا تتأثر بالعامل . ومثال ذلك : أسماء الأفعال ، وهي تلك الأسماء التي جاءت لتعمل عمل الفعل فتؤثر فيما بعدها لكنها ليست كالفعل يثأثر بالناصب والجازم . المثال : ( دراكِ زيداً ) والمعنى : أدرك زيداً ، فـ ( دراك ) اسم فعل أمر مبني ، وسبب البناء أنه أشبه الحرف في كونه قد عمل فيما بعده ( الضمير المستتر وجوباً وتقديه أنت فاعل ، و زيداً مفعول به ) ، بينما نجد هذا الاسم ( دراك ) لا يدخل عليه ما يدخل على الأفعال من النواصب والجوازم . فلا يمكن أن أقول ( لم دراك زيداً ) أو ( لن دراك زيداً ) .
4- الافتقار ، الحروف تفتقر إلى ما بعدها ليفسرها فلا تدل هي بمجردها على المعنى ، وبعض الأسماء تشبه الحروف في ذلك ، ولذا بنيت ، مثل : الأسماء الموصولة ، فالاسم الموصول مفتقر إلى الجملة التي تليه كقولي ( جاء الذي ضرب زيداً ) فـ ( الذي ) اسم موصول ولا يتبين معناه إلا بالجملة التي بعده والتي تسمى صلة الموصول ، فلو قلت : ( جاء الذي ) وسكتُّ ولم أكمل لم يتبين المعنى . ومن هنا ولافتقارها لما بعدها بنيت لشبهها بالحروف .
يقول ابن مالك رحمه الله :
والاسم منه معرب ومبني
لشبه من الحروف مدني
كالشبه الوضعي في اسمي ( جئتَنا )
والمعنوي في ( متى ) وفي ( هنا)
وكنيابة عن الفعل بلا
تأثر وكافتقار أُصِّلا
ومعرب الأسماء ما قد سلما
من شبه الحرف كـ ( أرض وسُما ) .
وسنعرض بإذن الله تعالى في الدرس القادم إلى المبني والمعرب من الأفعال .
الروابط المفضلة